سورة مريم - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{واذكر فِى الكتاب إبراهيم إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً} ملازماً للصدق، أو كثير التصديق لكثرة ما صدق به من غيوب الله تعالى وآياته وكتبه ورسله. {نَبِيّاً} استنبأه الله.


{إِذْ قَالَ} بدل من {إِبْرَاهِيمَ} وما بينهما اعتراض، أو متعلق ب {كَانَ} أو ب {صِدّيقاً نَّبِيّاً}. {لأَبِيهِ ياأبت} التاء معوضة من ياء الإِضافة ولذلك لا يقال يا أبتي ويقال يا أبتا، وإنما تذكر للاستعطاف ولذلك كررها. {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ} فيعرف حالك ويسمع ذكرك ويرى خضوعك. {وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً} في جلب نفع أو دفع ضر، دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج وأرشقه برفق وحسن أدب، حيث لم يصرح بضلاله بل طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه، فضلاً عن عبادته التي هي غاية التعظيم، ولا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإِنعام العام وهو الخالق الرازق المحيي المميت المعاقب المثيب، ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح، والشيء لو كان حياً مميزاً سميعاً بصيراً مقتدراً على النفع والضر ولكن كان ممكناً، لاستنكف العقل القويم من عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد للقدرة الواجبة، فكيف إذا كان جماداً لا يسمع ولا يبصر، ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه إلى الحق القويم والصراط المستقيم لما لم يكن محظوظاً من العلم الإِلهي مستقلاً بالنظر السوي فقال:


{ياأبت إِنّى قَدْ جَاءَنِى مِنَ العلم مَا لَمْ يَأْتِكَ فاتبعنى أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} ولم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق، بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق، ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوه عن النفع مستلزم للضر، فإنه في الحقيقة عبادة الشيطان من حيث إنه الآمر به فقال: {ياأبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان} ولما استهجن ذلك بين وجه الضر فيه بأن الشيطان مستعص على ربك المولي للنعم كلها بقوله: {إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيّاً} ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن تسترد منه النعم وينتقم منه، ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجر إليه فقال: {ياأبت إِنِّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرحمن فَتَكُونَ للشيطان وَلِيّاً} قريناً في اللعن والعذاب تليه ويليك، أو ثابتاً في موالاته فإنه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب. وذكر الخوف والمس وتنكير العذاب إما للمجاملة أو لخفاء العاقبة، ولعل اقتصاره على عصيان الشيطان من بين جناياته لإِرتقاء همته في الربانية، أو لأنه ملاكها أو لأنه من حيث إنه نتيجة معاداته لآدم وذريته منبه عليها.
{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِى ياإبراهيم} قابل استعطافه ولطفه في الارشاد بالفظاظة وغلظة العناد فناداه باسمه ولم يقابل {يَا أبَتِ}: بيا بني، وأخره وقدم الخبر على المبتدأ وصدره بالهمزة لإِنكار نفس الرغبة على ضرب من التعجب، كأنها مما لا يرغب عنه عاقل ثم هدده فقال: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} عن مقالك فيها أو الرغبة عنها. {لأَرْجُمَنَّكَ} بلساني يعني الشتم والذم أو بالحجارة حتى تموت، أو تبعد مني. {واهجرنى} عطف على ما دل عليه {لأَرْجُمَنَّكَ} أي فاحذرني واهجرني. {مَلِيّاً} زماناً طويلاً من الملاوة أو ملياً بالذهاب عني.
{قَالَ سلام عَلَيْكَ} توديع ومتاركة ومقابلة للسيئة بالحسنة، أي لا أصيبك بمكروه ولا أقول لك بعد ما يؤذيك ولكن: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِِّي} لعله يوفقك للتوبة والإِيمان، فإن حقيقة الاستغفار للكافر إستدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته وقد مر تقريره في سورة التوبة {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً} بليغاً في البر والإِلطاف.
{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} بالمهاجرة بديني. {وَأَدْعُو رَبِّى} وأعبده وحده. {عسى أَن لا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّى شَقِيّا} خائباً ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتم، وفي تصدير الكلام ب {عَسَى} التواضع وهضم النفس، والتنبيه على أن الإِجابة والإِثابة تفضل غير واجبتين، وأن ملاك الأمر خاتمته وهو غيب.
{فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} بالهجرة إلى الشام. {وَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} بدل من فارقهم من الكفرة، قيل إنه لما قصد الشام أتى أولاً حران وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد منه يعقوب، ولعل تخصيصهما بالذكر لأنهما شجرتا الأنبياء أو لأنه أراد أن يذكر إسمعيل بفضله على الانفراد. {وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً} وكلا منهما أو منهم.
{وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّنْ رَّحْمَتِنَا} النبوة والأموال والأولاد. {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم، استجابة لدعوته {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الآخرين} والمراد باللسان ما يوجد به، ولسان العرب لغتهم وإضافته إلى الصدق وتوصيفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم، وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتحول الدول وتبدل الملل.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12